سلسلة أمهات المؤمنين/ عائشة رضي الله عنها(1)

السيدة عائشة رضي الله عنها 

مقال اليوم عن ثالث زهرة في بيت النبوة ، عن أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن المبرأة من فوق سبع سموات الصديقة بنت الصديق السيدة عائشة رضي الله عنها

تنتمي السيدة عائشة رضي الله عنها إلى بني تيم وهم بطن من قريش، فهي عائشة بنت أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب، فيلتقي نسبها مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب. وأبوها هو أبو بكر الصديق خليفة النبي صلى الله عليه وسلم، وصاحبه في رحلة هجرته من مكة إلى يثرب، وأمها أم رومان بنت عامر من بني مالك بن كنانة أسلمت وهاجرت

ولعائشة رضي الله عنها من الإخوة عبد الرحمن وهو أخوها لأمها وأبيها، وعبد الله وأسماء وأمهما قتيلة بنت عبد العزى العامرية، ومحمد وأمه أسماء بنت عميس، وأم كلثوم وأمها حبيبة بنت خارجة،
وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها تُكنّى بأم عبد الله بابن أختها عبد الله بن الزبير.

ولقد رأها الرسول صلى الله عليه وسلم في منامه قبل أن يتزوجها ، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” أُرِيتُكِ في المنامِ مَرَّتَيْنِ ، إذا رجلٌ يَحْمِلُكِ في سَرَقَةٍ من حريرٍ ، فيقولُ : هذه امرأتُكَ ، فأَكْشِفُها فإذا هي أنتِ ، فأقولُ : إن يَكُنْ هذا من عندِ اللهِ يُمْضِه” رواه البخاري ومسلم

وتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة وكان ذلك في شهر شوال سنة عشرة من من النبوة وقبل الهجرة بثلاث سنبن وهي يومئذ بين السادسة والسابعة من عمرها ، ثم دخل بها في المدينة بعد ذلك وهي بنت تسع سنبن ، في شوال من السنة الثانية للهجرة، عن عائشة رضي الله عنها قالت :” تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين ، فقدمنا المدينة فنزلنا في بنى الحارث بن الخزرج ، فوعكت فتمزق شعري ، فأتتنى أمي أم رومان ، وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لى ، فصرخت بي فأتيتها ما أدري ما تريد منى ؟ فأخذت بيدي حتى أوقفتنى على باب الدار ، وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسى ثم أخذت شيئا من ماء فمسحت به وجهى ورأسى ، ثم أدخلتنى الدار فإذا نسوة من الأنصار في البيت فقلن : على الخير والبركة وعلى خير طائر ، فأسلمتنى إليهن فأصلحن من شأنى فلم يرعنى إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى ، فأسلمننى إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين” رواه البخاري ومسلم

ولما أذن الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة ، هاجر هو وأبو بكر رضي الله عنه إلى المدينة ، وتركا خلفهما أهلهما فلما قدما المدينة واستقر بهما المقام ، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وأبا رافع في صحبة عبد الله بن اريقط ليأتى ببناته أم كلثوم وفاطمة وزوجته سودة وأم أيمن وابنها أسامة بن زيد رضى الله عنهم جميعا ، وكتب أبو بكر رضي الله عنه إلى ابنه عبد الله يأمره أن يحمل أهله أم رومان واختيه عائشة وأسماء رضى الله عنهم جميعا ، فخرجوا جميعا مهاجرين إلى المدينة المنورة

 حملت السيدة عائشة رضي الله عنها إلى الدار التى أعدت لها ،دار النبي صلى الله عليه وسلم التى كانت ملتصقة بالمسجد النبوي الشريف
ومن الجدير معرفته ، أن حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الطاهرات قد ضمت إلى المسجد النبوي ،إﻻ حجرة أمنا عائشة رضي الله عنها ،ففيها دفن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه أبو بكر و عمر رضي الله عنهما

ولقد خطبت السيدة عائشة رضي الله عنها وتزوجت في شهر شوال ، فكانت رضي الله عنها تبارك ما عاشت هذا الشهر الذي خطبها فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، وبنى بها فيه وكانت تستحب أن تزوج النساء من أهلها في شوال وتقول :
“تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال وأدخلت عليه في شوال فأي نسائه كن أحظى عنده مني ؟”
( رواه مسلم)

 ولم يتزوج صلى الله عليه وسلم من النساء بكراً غيرها ، وهو شرفٌ استأثرت به على سائر نسائه ، وظلّت تفاخر به طيلة حياتها ، وتقول للنبي صلى الله عليه وسلم – :
” يا رسول الله ، أرأيت لو نزلتَ وادياً وفيه شجرةٌ قد أُكِل منها ، ووجدتَ شجراً لم يُؤكل منها ، في أيها كنت ترتع بعيرك ؟ ” قال : ( في التي لم يرتع منها ) ، وهي تعني أنه لم يتزوج بكراً غيرها “
(رواه البخاري)

وتقول أيضاً : “ لقد أُعطيت تسعاً ما أُعطيتها امرأة بعد مريم بنت عمران – ثم قالت – لقد تزوجني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بكراً ، وما تزوج بكراً غيري “

واحتلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، مكانا خاصا في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان عليه الصلاة والسلام يراعى صغر سنها ،فعنها رضى الله عنها قالت :
كنت ألعبُ بالبنات (اللعب)ِ عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحبُ يلعبْنَ معي، فكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا دخلَ يتَقَمَّعْن منه(يستخفين منه رهبة) فيُسَرِّبُهُن إليَّ فيلْعبْن معي”
(البخاري)

 وعنها أيضا رضى الله عنها قالت :
” أنَّ النَّبيَّ صلي الله عليه وسلم قالَ لها يومًا : ما هذا ؟ قالَت : بَناتي(أي لعبي)
قال : ما هذا الَّذي في وسْطِهِنَّ ؟ قالَت : فرس
ٌ قال : ما هذا الَّذي علَيهِ ؟ قالَت جَناحانِ
قال : فرَسٌ لها جَناحانِ ؟ قالَت : أوَ ما سمِعتَ أنَّهُ كانَ لسُلَيمانَ بنَ داودَ خيلٌ لَها أجنِحَةٌ فضحِكَ رسولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم حتَّى بدَت نواجِذُهُ”
(رواه ابو داود وصححه اﻷلباني)

وقد كان عليه الصلاة والسلام يلاطفها ويغدق عليها حبه، فقد قالت :
” رأيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم ِ يسترُني بردائِهِ ، وأَنا أنظرُ إلى الحبَشةِ يلعَبونَ في المسجِدِ ، حتَّى أَكونَ أَنا أسأمُ ، فاقْدُروا قَدرَ الجاريةِ ، الحديثةِ السن الحريصة على اللهو”
(صحيح النسائي)

وكانت لها مكانتها الخاصة التى لم تكن لسواها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إنّه لم يكن يخفي حبّها عن أحد ، وبلغ من حبّه لها أنه كان يشرب من الموضع الذي تشرب منه ، ويأكل من المكان الذي تأكل منه
وعندما سأله عمرو بن العاص رضي الله عنه : ” أي الناس أحب إليك يا رسول الله ؟ “
قال له : “عائشة “
(متفق عليه )

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يداعبها ويمازحها ، وربّما سابقها في بعض الغزوات ، فقد قالت رضي الله عنها :
” سابقَني رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فسبقتُهُ ، وذلِكَ قبلَ أن أحمِلَ اللَّحمَ ، ثمَّ سابقتُهُ بعدَ ما حملتُ اللَّحمَ فسبقَني ، فقالَ : هذِهِ بتلكَ”

 عاشت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في بيت النبوة حياة طيبة مباركة تستشعر محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لها وتعرف مكانتها عنده ، وكيف لا وهو يحيطها برعايته وحبه يداعبها ويسميها عائش محبة لها ، ويخبرها انها زوجته في الدنيا والآخرة

فعنها رضي الله عنها قالت : قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم :
“أَما تَرْضَيْنَ أنْ تَكُونِي زَوْجَتِي في الدنيا و الآخرةِ ؟ قُلْتُ : بلى قال : فَأنْتِ زَوْجَتِي في الدنيا والآخرة “
الألباني في السلسلة الصحيحة

ومن دلائل حبهما كان عليه الصلاة والسلام يعلم حالها ومتى تكون راضية ومتى تكون غاضبة ،فقد قال لها يوما :
” إِنَّي لأعلَمُ إذا كنتِ عني راضيةً ، وإذا كنتِ علَيَّ غضْبَى ، أمَّا إذا كنتِ عني راضِيَةً ، فإِنَّكِ تقولِينَ : لَا و ربِّ محمدٍ ، وإذا كنتِ علَيَّ غضبى قلتِ : لا و ربِّ إبراهيمَ” فقلت :صدقت يارسول الله والله ما اهجر إلا اسمك

وعنها رضى الله عنها قالت:
لمَّا رأيتُ مِن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم طِيبَ النَّفْس قلت: يا رسولَ الله، ادعُ اللهَ لي، فقال: ((اللهمَّ اغفرْ لعائشةَ ما تقدَّم مِن ذنبِها وما تأخَّر، وما أسَرَّتْ وما أعْلَنتْ))، فضحِكتْ عائشةُ رضي الله عنها حتى سقَط رأسها في حجْرِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم من الضحِك، فقال: ((أيَسرُّكِ دُعائي؟))، فقالت: وما لي لا يَسرُّني دعاؤك؟! فقال: ((واللهِ إنَّها لدَعْوَتي))
حَسَّنه الألباني.

و لم تكن السيدة عائشة رضي الله عنها تشعر بالغيرة من السيدة سودة رضي الله عنها، فقد عاملتها السيدة سودةرضي الله عنها منذ دخلت بيت النبوة بحب وكانت لها مكانتها عندها التى لم تنافسها فيها أي من زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ،حتى انها تنازلت لها عن يومها محبة وإرضاءا للرسول صلي الله عليه وسلم فقد كانت تعلم مكانة عائشة رضي الله عنها في قلبه

ولكنها كانت تغار من زوجته الأولى السيدة خديجة رضي الله عنها رغم وفاتها، وتقر بذلك وتحكي : «اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فعْرِفُ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ وَارْتَاعَ لِذَلِكَ، فَقَالَ:” اللَّهُمَّ هَالَةَ بنت خويلد”
قَالَتْ: فَغِرْت، فَقُلْت: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءَ الشِّدْقَيْنِ هَلَكَتْ من الدَّهْرِ، قد أَبْدَلَك اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا»
البخاري ومسلم

 

 وكانت عائشة رضي الله عنها تغار على الرسول صلى الله عليه وسلم من بقية زوجاته أيضا ،
ومن ذلك مارواه البخاري ان النبي صلى الله عليه وسلم كان في منزل عائشة رضي الله عنها ،وإذا بإحدي أمهات المؤمنين ترسل بصفحة(إناء) فيها طعام ،فغضبت عائشة رضي الله عنها وغارت، وضربت يد الخادم الذي جاء بالصفحة ،فسقطت الصفحة فانفلقت نصفين
فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن قال ﻷصحابه : ” غارت أمكم ،غارت أمكم ” ثم جمع فلق الصفحة وجعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصفحة ، و أخذ من عند السيدة عائشة صفحة سليمة فارسلها للأخرى ،وأبقى الصفحة المكسورة عند السيدة عائشة رضي الله عنها

ومن ذلك ماترويه رضي الله عنها لما رأت السيدة جويرية رضي الله عنها، فتقول :
“ْ وقعَتْ جُوَيرِيَةُ بنتُ الحارثِ بنِ المُصْطَلِقِ في سهمِ ثابتِ بنِ قيسِ بنِ الشمَّاسِ أو ابنِ عمٍّ له فكاتَبَتْ على نفْسِها وكانت امرأةً صالحةً تأخَذها العينُ فجاءَتْ تسأَلُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في كتابتِها فلما قامَتْ على البابِ فرأيتُها فكَرِهْتُ مكانَها وعرَفْتُ أن رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سيَرَى منها مثلَ الذي رأيتُ “

ومن غيرتها أيضا ماروته رضى الله عنها قالت ” لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي، انقلب فوضع رداءه وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع، فلم يلبث إلا ريثما ظنّ أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا وانتعل رويدا وفتح الباب فخرج، ثم أجافه رويدا، فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري ثم انطلقت على إثره
حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفت، فأسرع فأسرعتُ، فهرول فهرولتُ، فأحضر فأحضرتُ، فسبقته فدخلت، فليس إلا أن اضطجعت فدخل
فقال: “”مالك يا عائش حشيا رابية؟”
قلت: لا شيء، قال: “لتخبريني أو ليخبرنّي اللطيف الخبير”
قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي،  فأخبرتُهُ
فقال: “فأنت السواد الذي رأيت أمامي” ؟
قلت: نعم، فلهدني في صدري لهدة أوجعتني
ثم قال:” أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله” ؟ قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله؟ قال: “نعم”
قال: “فإن جبريل أتاني حين رأيتِ، فناداني فأخفاه منك، فأجبته فأخفيته منك، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعتِ ثيابك، وظننتُ أن قد رقدتِ، فكرهتُ أن أوقظكِ، وخشيت أن تستوحشي، فقال: إن ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم”
قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: “قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون “
رواه مسلم .

وهنا نستوقف وقفتان
الأولى عند حسن معاشرة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهله ،فقد خشى أن يوقظ السيدة عائشة رضي الله عنها وحرص على الخروج دون أن يشعرها
والثانية عند ذكاء أمنا رضي الله عنها فقد حولت الموقف من عتاب إلي سؤال واستفسار عن السنة القولية عند زيارة القبور

ومن غيرتها ايضا ما روته رضي الله عنها قالت كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يشرَبُ عسلًا عِندَ زينبَ بنتِ جحشٍ، ويمكُثُ عِندَها، فواطَيتُ أنا وحفصَةُ على : أيَّتُنا دخَل عليها فلتقُلْ له : أكَلتَ مَغافيرَ، إني أجِدُ منك رِيحَ مَغافيرَ، قال : ( لا، ولكني كنتُ أشرَبُ عسلًا عِندَ زينبَ بنتِ جحشٍ، فلن أعودَ له، وقد حلَفتُ، لا تُخبِري بذلك أحدًا)
رواه البخاري
والمغافير: صمغ حلو المذاق كريه الرائحة

لقد عاشت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حياتها مع النبي صلى الله عليه وسلم ، كأسعد ماتكون ،ولم يكدر صفوهما ويعكره إلا ذلك الإبتلاء العظيم وتلك المحنة الكبيرة التي حلت بهما …..

ولنا لقاء آخر بإذن الله

 

المراجع
صفة الصفوة/ابن الجوزي
أمهات المؤمنين /محمود المصري موقع قصة الإسلام

جمع وترتيب :أ. سعاد أبو النجا

You May Also Like