سلسلة أمهات المؤمنين / زينب بنت جحش رضي الله عنها

سلسلة أمهات المؤمنين / زينب بنت جحش رضي الله عنها

حديثنا اليوم عن زهرة جديدة من زهرات بيت النبوة ،حديثنا عمن كان زواجها بالرسول صلى الله عليه وسلم بأمر من الله من فوق سبع سموات ،عمن نزلت في يوم عرسها آية الحجاب ،عن أطول أمهات المؤمنين يدا ، وأسرعن لحوقا بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، عن السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها

هي السيدة زينب بنت جحش بن رئاب وتكنى “بأم الحكم “ ،وكانت تسمى “برة” فسماها الرسول صلى الله عليه وسلم “زينب” بعد زواجه منها ، فعن زينب بنت أم سلمة قالت :” كان اسمي برة فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب ،ودخلت عليه زينب بنت جحش واسمها برة فسماها زينب بعد زواجه منها” رواه مسلم

وهي ابنة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمها هي أميمة بنت عبد المطلب ،وأخوالها حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه الملقب بأسد الله وسيد الشهداء في غزوة أحد ، والعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ، وخالتها صفية بنت عبد المطلب الهاشمية ، أم حواري النبي صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام رضي الله عنه

ولها إخوان هما عبد الله بن جحش الأسدي رضي الله عنه صاحب أول راية عقدت في الإسلام وأحد الشهداء ، والآخر أبو أحمد واسمه عبد بن جحش الأعمى ، وهو أحد السابقين الأولين ومن المهاجرين إلى المدينة ، و أختها حمنة بنت جحش رضي الله عنها من السابقات إلى الإسلام

ولدت السيدة زينب رضي الله عنها في مكة المكرمة في السنة الثالثة والثلاثين قبل الهجرة ،وقد نشأت في بيت شرف ونسب وحسب ، وأنعم الله عليها بالجمال والحسب الرفيع فكانت من علية نساء قريش ، وهي متمسكة بنسبها ، ومعتزة بشرف أسرتها ، وكثيرا ما كانت تفتخر بأصلها ، وقد قالت مرة :”أنا سيدة أبناء عبد شمس”.

وما أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم حتى أسلم أخوها عبد الله رضي الله عنه ودعاها وإخوتها للإسلام فأسلموا ودخلوا جميعا في دين الله ،و تحملوا الأذى في سبيل الله حتى أذن رسول الله صلى الله عليه و سلم لهم بالهجرة فهاجروا إلى المدينة و تركوا بيتهم في مكة خاليا فأخذه أبو سفيان .

وحتى هذا الوقت كان التبني لايزال مشروعا في الإسلام ،وقد تبني النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وسماه زيد بن محمد وهذا كله قبل إبطال التبني ،وكان زيد من أعظم وأحب الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حبه، وقرر النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه من زينب رضي الله عنها

ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على زينب رضي الله عنها ليخطبها لزيد رضي الله عنه فقالت: لستُ بناكحته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “بَلْ فَانْكِحِيهِ”.
قالت: يا رسول الله، أؤامر في نفسي؟ فبينما هما يتحدَّثان، أنزل الله تعالى قوله على رسوله : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا} [الأحزاب: 36]
فقالت رضي الله عنها: رضيتَه لي يا رسول الله منكحًا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “نعم”
قالت: إذن لا أعصي رسول الله ، قد أنكحته نفسي.

وبهذه الواقعة أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يُحطِّم الفوارق الطبقيَّة الموروثة في الجماعة المسلمة، فيردَّ الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لأحد على أحد إلاَّ بالتقوى، وكان الموالي (وهم الرقيق المحرَّر) طبقة أدنى من طبقة السادة، ومن هؤلاء زيد بن حارثة رضي الله عنه ،فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُحقِّق المساواة الكاملة بتزويجه من شريفة من بني هاشم، قريبة النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش رضي الله عنها ؛ ليُسقط تلك الفوارق الطبقيَّة بنفسه في أسرته، وكانت هذه الفوارق من العمق والعنف بحيث لا يحطِّمها إلاَّ فعل واقعيّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم تتَّخذ منه الجماعة المسلمة أسوةً، وتسير البشريَّة كلها على هداه فى هذا الطريق

قبلت السيدة زينب رضى الله عنها الزواج من زيد رضي الله عنه على مضض لانها كانت تراه دونها في الشرف والنسب فهو مولى وهي شريفة من شريفات بني هاشم ، وكانت الحياة بينهما غير مستقرة تخلو من المحبة والصفاء ،وكان زيد رضي الله عنه يشكوها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويشتكي له من عدم استطاعته البقاء معها

وجاء زيد رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه أن يأذن له في طلاِّق زينب رضي الله عنها ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ردَّه، وقال له: “اتَّقِ اللهَ، وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ”. فأنزل الله تعالى قوله: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاس وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: 37]

فالله تعالى قد أخبر نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن زينب رضي الله عنها ستكون زوجةً من زوجاته، وأنه لابد لزيد رضي الله من مفارقتها وأن الله تعالى سيزوجه اياها ليبطل عادة التبني ،وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يستحى من أن يقال عليه صلى الله عليه وسلم تزوج زوجة ابنه وخاف المنافقين وأقوالهم؛ فعاتبه الله تعالى على خشيته من الناس في شئ قد أباحه الله له ؛ ليكون لزواجه من السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها حكمة تشريعية عظيمة، وهي إسقاط التبني، هذه العادة الجاهلية المستحكمة في نفوس الناس والتي تؤدي إلى اختلاط الأنساب وضياع الحقوق.

وأول من يُطبِّق هذا الحكم هو النبي صلى الله عليه وسلم على مَنْ تبنَّاه؛ إذ كان زيد رضي الله عنه منسوبًا للنبي صلى الله عليه وسلم ، فكان يُقال له: زيد بن محمد. ثم أُسقط التبني فنُسب لاسمه الحقيقي زيد بن حارثة رضي الله عنه

ولقد كان زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش رضي الله عنها إحدى دلائل نبوته ، وذلك لما تضمنه هذا الزواج من معاتبة الله له صلى الله عليه وسلم ، وهي معاني لو لم يكن عليه الصلاة والسلام نبياً لأخفاها عن الناس ، حفظا لسمعته وصونا لهيبته ، لكنه صلى الله عليه وسلم لم يكتمها ، بل بلغها ، وبلاغه لها صلى الله عليه وسلم دليل صريح على أنه رسول الله حقاً، والمبلغ عن الله صدقاً .

فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( لو كان محمد صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئا مما أُنزل عليه ، لكتم هذه الآية : { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ } ) (رواه مسلم )

نزل أمر الله بزواج الرسول صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش رضي الله عنها لتصحيح المفاهيم الخاطئة وهدم العادات الجاهلية ، وقد ظهر في قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من أم المؤمنين زينب رضي الله عنها ، فضل كلا من زيد والسيدة زينب رضي الله عنهما

?ففي قول الله تعالى : { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا } منقبة عظيمة لزيد رضي الله عنه ،فقد انفرد رضي الله عنه وحده دون الصحابة بذكر اسمه في القرآن الكريم، إذ لم يذكر اسم أحد في القرآن الكريم، إلا لنبي من الأنبياء ولزيد بن حارثة رضي الله عنه

فلما حرم زيد رضي الله عنه من أن يقول : أنا زيد بن محمد، لما نُزِع عنه هذا الشرف وهذا الفخر، أكرمه الله وشرفه بخصوصية لم يخص بها أحدا من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وهي أنه ذكره باسمه في القرآن الكريم، وفي ذلك تأنيس له ، وعوض من الفخر بأبوة محمد صلى الله عليه وسلم له .

وأما السيدة زينب رضي الله عنها فكان زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم بأمر ربه، وهو الذي زوَّجه إياها، قال تعالى: { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً } (الأحزاب: من الآية37)، وفي هذا شرف عظيم ومنقبة جليلة للسيدة زينب رضي الله عنها ، ومن ثم كانت تفاخر بذلك ..

ثم شاء الله تعالى أن لا يتوافق زيد وزينب رضي الله عنهما في زواجهما ، وأذن الله بالطلاق فطلقها زيد رضي الله عنه بعد أن مكث معها مايقرب من سنة

ومن فوق سبع سموات أمر الله سبحانه وتعالى نبيه عليه الصلاة والسلام أن يتزوج بالسيدة زينب رضي الله عنها بعد طلاقها من زيد رضي الله عنه فتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث وقيل سنة خمس من الهجرة .. وأنزل الله في ذلك قوله: { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً } (الأحزاب:37) .

وكان خاطِبُ السيدة زينب رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم هو زوجها الأول زيد رضي الله عنه، ليقطع بذلك ألسنة المتقولين ، وما قد يزعمونه من أن طلاقها وقع بغير اختيار منه ، وأنه قد بقي في نفسه من الرغبة فيها شيء ، وفي هذا يقول ابن حجر : ” هذا من أبلغ ما وقع في ذلك ، وهو أن يكون الذي كان زوجها هو الخاطب ، لئلا يظن أحد أن ذلك وقع قهراً بغير رضاه .. “

فلما انقضت عدتها رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد رضي الله عنه: “فاذكرها علي” فانطلق زيد رضي الله عنه إلى السيدة زينب رضي الله عنها حتى أتاها و هي تخمر عجينها قال : فلما رأيتها عظمت في صدري ،حتى ما أستطيع أن أنظر إليها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكرها ، فوليتها ظهري و نكصت على عقبي فقلت : يا زينب ! أرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم يذكرك ، فقالت : ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي ، فقامت الى مسجدها
فأنزل الله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} [الأحزاب: 37]. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن ” رواه مسلم

ولمَّا نزل قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا…} [الأحزاب: 37] كانت السيدة زينب رضي الله عنها تفتخر على بقيَّة زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، وتقول لهنَّ: “ُ زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ ، وَزَوَّجَنِى اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ ” رواه البخاري

وكانت تقول للنبي صلى الله عليه وسلم : إني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك إمرأة تُدل بهن :
إن جدي وجدك واحد ،وإني أنكحنيك الله من السماء , وكان جبريل السفير في أمري.

و كانت حقا كما قالت رضي الله عنها : أنا أكرمكن وليا و أكرمكن سفيرا زوجكن أهلكن و زوجني الله من فوق سبع سماوات فكانت رضي الله عنها وليها الله تعالى و سفيرها جبريل عليه السلام

وكان من كراماتها رضي الله عنها أن آية الحجاب نزلت بسببها وفي صبيحة يوم عرسها ،فعن أنس رضي الله عنه قال :” بنى النبي صلى الله عليه و سلم بزينب بنت جحش على خبز و لحم فأرسلت على الطعام داعيا ، فيجيء قوم فيأكلون و يخرجون ، ثم يجيء قوم فيأكلون و يخرجون ، فدعوت حتى ما أجد أحدا ادعوا ، فقلت : يا نبي الله ما أجد أحدا أدعوه قال : “ارفعوا طعامكم” وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت ، فخرج النبي صلى الله عليه و سلم فانطلق إلى حجرة عائشة رضي الله عنها فقال :” السلام عليكم أهل البيت و رحمة الله”. فقالت:و عليك السلام و رحمة الله، كيف وجدت أهلك بارك الله لك ؟ ، فتقرى حجر نسائه كلهن يقول لهن كما قال لعائشة و يقلن له كما قالت عائشة رضي الله عنها

ثم رجع النبي صلى الله عليه و سلم فإذا ثلاثة رهط في البيت يتحدثون ،و كان النبي صلى الله عليه و سلم شديد الحياء ، فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة ، فما أدري :آخبرته ام أخبر ان القوم خرجوا ، فرجع حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب داخلة و أخرى خارجة ، أرخى الستر بيني و بينه و أنزلت آية الحجاب ” رواه البخاري

فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأهن على الناس:( { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً }الأحزاب:53) 

ووعظ القوم بما وعظوا به ، قال أنس بن مالك رضي الله عنه : (أنا أحدث الناس عهدا بهذه الآيات، وحُجِبْن نساء النبي صلى الله عليه وسلم ) رواه مسلم

دخلت السيدة زينب رضي الله عنها بيت النبوة ، وأصبحت أما من أمهات المؤمنين ،وكانت رضي الله عنها لها مكانة عالية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم

وهي صاحبة قصة العسل التى ذكرناها سابقا ، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت :” ان النبي صلى الله عليه و سلم كان يمكث عند زينب بنت جحش رضي الله عنها و يشرب عندها عسلا فتواصيت انا و حفصة أيتنا دخل عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فلتقل : اني أجد منك ريح مغافير أكلت مغافير؟ فدخل على احدهما فقالت له ذلك فقال : “لا بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش و لن أعود له “

ورغم هذا التنافس بين عائشة وزينب على كسب قلب رسول الله صلى الله عليه و سلم الا ان السيدة عائشة رضي الله عنها تذكر موقف السيدة زينب رضي الله عنها، النبيل في قضية الافك هذه المحنة العصيبة التي تعرضت لها السيدة عائشة رضي الله عنها، فتروي السيدة عائشة و تقول : (و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم سأل زينب بنت جحش عن أمري
فقال لزينب: “ماذا علمت او رأيت ؟ “
قالت : يا رسول الله أحمي سمعي و بصري و الله ما علمت الا خيرا
قالت عائشة رضي الله عنها : و هي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه و سلم فعصمها الله بالورع)
رواه البخاري

وكانت السيدة زينب رضي الله عنها عابدة خاشعة قوامة صوامة قانتة كثيرة التصدق لوجه الله تعالى ، وقد وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها أوَّاهة، فقال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : “إِنَّ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَوَّاهَةٌ”. فقال رجل: يا رسول الله، ما الأوَّاه؟ قال: “الْخَاشِعُ الْمُتَضَرِّعُ، {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود: 75]”

وقد اشتركت رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الطائف بعد حنين، وغزوة خيبر، ثم حجة الوداع، وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ظلَّت رضي الله عنها محافِظةً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لازمة بيتها؛ ففي حجة الوداع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه رضي الله عنهن : “هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورُ الحُصُرِ”.(بمعني هذه الحجة ثم لزوم البيت ) فكن كلهن يحججن إلاَّ السيدة زينب بنت جحش والسيدة سودة بنت زمعة رضي الله عنهما ، وكانتا تقولان: والله لا تحرِّكنا دابَّة بعد أن سمعنا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم

وقد لقبت رضي الله عنها بألقاب عديدة منها: أم المساكين، ومفزع الأيتام، وملجأ الأرامل.وكانت ورعة تديم الصيام والقيام ،كثيرة التصدق وبذل الخير ،قالت عنها السيدة عائشة رضي الله عنها- : “ما رأيتُ امرأة خيرًا في الدّين من زينب؛ أتقَى لله وأصدَق حديثًا وأوصَل للرّحم وأعظم صدقة وكانت السيدة زينب رضي الله عنها من صناع اليد ، تصنع و تدبغ وتخرز ،وتبيع ماتصنعه ثم تتصدق بثمن ذلك ، وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على كثرة تصدقها وأخبر أنها أول أزواجه وفاة بعده، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ: ” أسرعكن لحاقاً بي أطولكنَّ يداً ” قالت: فكنَّ يتطاولن أيتهنَّ أطول يداً، قالت: فكانت أطولنا يداً زينب ، لأنها كانت تعمل بيدها وَتَصَدَّق )(رواه البخاري ).

?وفي رواية أخرى قالت السيدة عائشة رضى الله عنها : “فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش ، وكانت امرأة قصيرة ولم تكن بأطولنا، فعرفنا حينئذ أن النبي – صلى الله عليه وسلم – إنما أراد طول اليد بالصدقة، وكانت زينب امرأة صناع اليدين (أي تعمل بيديها الشريفتين) ، فكانت تدبغ وتخرز وتتصدق به في سبيل الله.”

وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت :” كانت زينب تغزل الغزل وتعطيه سرايا النبي صلى الله عليه وسلم يخيطون به ويستعينون به في مغازيهم”

وقد ظلت رضي الله عنها جوادة كريمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ولقد أرسل إليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه اثني عشر ألف درهم، كما فرض لنساء النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ، فقالت رضي الله عنها :” غفر الله لعمر لغيري من أخواتي كان أقوى على قسم هذا مني” ، قالوا : هذا كله لك ، قالت:” سبحان الله” ، تقول برزة بنت رافع رضي الله عنها-: واستترت منه بثوب وقالت : “صبوه واطرحوا عليه ثوباً” ، وأخذت تفرقه في رحمها وأيتامها ، وأعطتني ما بقي فوجدناه خمسة وثمانين درهما ثم رفعت يدها إلى السماء فقالت: “اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا أبدا “

فماتت بعدها فعلاً وكانت حقا أول أزواجه صلى الله عليه وسلم لحوقا به ،حيث توفيت سنة عشرين للهجرة وقد جاوزت الخمسين عاما ، وصلى عليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وصنع لها نعشا وكانت أول امرأة يفعل معها ذلك ،ودفنت بالبقيع

ولقد بلغ من حبها للعطاء أنها أوصت حين حضرتها الوفاة بقولها: ” إني قد أعددت كفني، فإن بعث لي عمر بكفن فتصدقوا بأحدهما، وإن استطعتم إذ أدليتموني أن تصدقوا بإزاري فافعلوا “

و تقول عنها السيدة عائشة رضي الله عنها : “لقد ذهبت حميدة متعبدة مفزع اليتامى و الأرامل” و تقول عنها ايضا : “يرحم الله زينب بنت جحش لقد نالت في هذه الدنيا الشرف الذي لا يبلغه شرف ان الله عز و جل زوجها نبيه صلى الله عليه و سلم في الدنيا و نطق بها القران”

قال ابن سعد رحمه الله :ماتركت زينب بنت جحش رضي الله عنها درهما ولا دينارا ،وكانت تتصدق بكل ماقدرت عليه ،وكانت مأوى المساكين ، فرضي الله عنها وعن أمهات المؤمنين أجمعين.

المصادر:
صفة الصفوة/ابن الجوزي
أمهات المؤمنين/محمود المصري
موقع قصة الإسلام

جمع وترتيب :أ.سعاد ابو النجا

You May Also Like