سلسلة أمهات المؤمنين/ جويرية بنت الحارث رضي الله عنها

سلسلة أمهات المؤمنين/ جويرية بنت الحارث رضي الله عنها

 

هي أم المؤمنين جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية ، كانت تحت ابن عم لها يقال له مسافع بن صفوان المصطلقي ، وقد قُتل في يوم المريسيع وكانت سيدة نساء قومها، وكان أبوها زعيم بني المصطلق ، الذين كانوا يجمعون للنبي صلى الله عليه وسلم ،فقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق يجمعون له وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية بنت الحارث رضي الله عنها

فقد تسلل الشيطان إلى قلوب بني المصطلق وزين لهم بأنهم أقوياء يستطيعون التغلب على المسلمين، فأخذوا يعدون العدة ويتأهبون لمقاتلة المسلمين ،فتجمعوا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بقيادة سيدهم الحارث بن أبي ضرار

فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ،خرج إليهم في سنة خمس او ست للهجرة حتى لقيهم على ماء لهم يقال له “المريسيع” ، فتزاحم الناس واقتتلوا فهزم الله بني المصطلق، وقتل من قتل منهم ، ونفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصاب منهم سبيًا كثيرًا قسمه في المسلمين

وكانت جويرية رضي الله عنها ضمن سبي بني المصطلق ، وكان قد قتل زوجها في هذه الغزوة، ووقعت في سهم ثابت بن قيس الأنصاري رضي الله عنه ، فكاتبت على نفسها لكونها أبية وسيدة نساء قومها، ولم يكن معها ما كاتبت عليه فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعينها على ذلك، فرد عليها بما هو أفضل؛ إذ عرض عليها الزواج منها وقضاء مكاتبتها، فأجابت بالقبول وأسلمت وحسن إسلامها.

فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “ لما سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عمه، فكاتبت على نفسها، وكانت امرأة حلوة ملاحة، لا يكاد يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها، فوالله ما هو إلا أن وقفت على باب الحجرة فرأيتها كرهتها، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرى منها مثل ما رأيت، فقالت جويرية: يا رسول الله، كان من الأمر ما قد عرفت فكاتبت نفسي فجئت رسول الله أستعينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أو ما هو خير من ذلك؟” فقالت: وما هو؟ قال: “أتزوجك وأقضي عنك كتابتك”، فقالت: نعم، قال: “قد فعلت”.
قالت عائشة رضي الله عنها : فبلغ المسلمين ذلك قالوا: أصهار رسول الله ! فأرسلوا ما كان في أيديهم من سبايا بني المصطلق، قالت: فلقد عتق بتزويجها مائة أهل بيت من بني المصطلق، قالت: “فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها”. رواه أحمد وأصله في الصحيحين.

وزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وقع في السنة الخامسة للهجرة ، وكان عمرها إذ ذاك عشرين سنة ، وكانت قد رأت قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا ،فتقول رضي الله عنها :
“رأيت قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث ليال كأن القمر يسير من يثرب حتى وقع في حجري، فكرهت أن أخبر به أحداً من الناس، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سبينا رجوت الرؤيا، فأعتقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجني، والله ما كلمته في قومي حتى كان المسلمون هم الذين أرسلوهم، وما شعرت إلا بجارية من بنات عمي تخبرني الخبر، فحمدت الله تعالى “

وغيَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها ، فعن زينب بنت أبي سلمة قالت: ( كان اسم جويرية بنت الحارث برة ، فحوّل النبي صلى الله عليه وسلم اسمها ، فسماها جويرية ، وكان يكره أن يقال خرج من عند برة) صحيح على شرط الشيخين

وروى ابن سعد في الطبقات أنه لما وقعت جويرية بنت الحارث رضي الله عنها في السبي ، جاء أبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن ابنتي لا يُسبى مثلها ؛ فأنا أكرم من ذاك ، فخل سبيلها ، فقال : “أرأيت إن خيّرناها ، أليس قد أحسنّا ؟”، قال : بلى ، وأدّيت ما عليك . ، فأتاها أبوها فقال : إن هذا الرجل قد خيّرك فلا تفضحينا ، فقالت : “فإني قد اخترت رسول الله صلى الله عليه وسلم “ فأسلم ابوها

ولقد عاشت رضي الله عنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم و تأثرت به ، فكانت رضي الله عنها ذات صبرٍ وعبادة ، كثيرة الذكر لله عزوجل ، فقد ورد أنها كانت تذكر الله من بعد الفجر وحتى شروق الشمس

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قالت جويرية بنت الحارث رضي الله عنها : خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في مصلاي، فرجع حين تعالى النهار وأنا فيه فقال: “لم تزالي في مصلاك منذ خرجت؟”, قلت: نعم، قال: “إني قلت أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته”رواه مسلم

وكانت رضي الله عنها تكثر من الصيام والنوافل ،فعنها رضي الله عنها قالت : ( دخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم  يوم جمعة وأنا صائمة فقال لي : أصمت أمس ؟ ، قلت : لا ، قال : تريدين أن تصومي غدا ؟ ، قلت : لا ، قال فأفطري )أخرجه البخاري

وكانت رضي الله عنها تعتق من حر مالها ، فعن مجاهد عن جويرية زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: يا نبي الله، أردت أن أعتق هذا الغلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “بل أعطيه أخاك الذي في الأعراب يرعى عليه؛ فإنه أعظم لأجرك”.رواه النسائي ورجاله رجال الصحيح

ولقد اشتكت رضي الله عنها ذات مرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أزواجك يفخرن عليّ، يقلن: لم يتزوجك رسول الله إنما أنت ملك يمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ألم أعظم صداقك؟ ألم أعتق أربعين رقبة من قومك ؟ “

ولقد توفيت رضي الله عنها في شهر ربيع الأول سنة خمسين وقيل سنة ست وخمسين وهي يومئذ ابنة خمس وستين سنة ،في إمارة معاوية، وصلى عليها مروان بن الحكم وهو يومئذ والي المدينة ، فرضي الله عنها ، وعن أمهات المؤمنين أجمعين.

المصادر
صفة الصفوة /ابن الجوزي
أمهات المؤمنين/محمود المصري
موقع قصة الإسلام

جمع وترتيب ا.سعاد ابو النجا

You May Also Like