“سجود السهو والتلاوة والشكر”

المسألة الأولى: في مشروعية سجود السهو وأسبابه:
والمراد به: السجود المطلوب في آخر الصلاة جبراً لنقص فيها أو زيادة أو شك.
وسجود السهو مشروع؛
لقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) (رواه مسلم)،
 ولفعله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما سيأتي بيانه.
وقد أجمع أهل العلم على مشروعية سجود السهو.
 
وأسبابه ثلاثة: الزيادة، والنقص، والشك.
 
المسألة الثانية: متى يجب؟
 
يجب سجود السهو لما يأتي:
 
1 – إذا زاد فعلاً من جنس الصلاة، كأن يزيد ركوعاً أو سجوداً أو قياماً أو قعوداً ولو قدر جلسة الاستراحة؛ لحديث ابن مسعود: (صلى بنا الرسول – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – خمساً فلما انفتل من الصلاة تَوَشْوَش القوم بينهم فقال: ما شأنكم؟ فقالوا: يا رسول الله هل زيد في الصلاة شيء؟ قال: لا. قالوا: فإنك صَلَّيت خمساً. فانْفَتَلَ (أي انصرف)، فسجد سجدتين، ثم سلَّم، ثم قال: إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) (رواه مسلم).
 
فإذا علم بالزيادة وهو في الصلاة وجب عليه الجلوس حال علمه، حتى لو كان في أثناء الركوع، لأنه لو استمر في الزيادة مع علمه لزاد في الصلاة شيئاً عمداً، وهذا لا يجوز.
 
٢. وإذا سلم قبل إتمام صلاته؛ يتمم صلاته ثم يسجد سجدتى سهو لحديث عمران بن حصين قال: (سلم رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – في ثلاث ركعات من العصر، ثم قام فدخل الحجرة، فقام رجل بسيط اليدين فقال: أقصرت الصلاة؟ فخرج، فصلى الركعة التي كان ترك، ثم سلم، ثم سجد سجدتي السهو، ثم سلم) (رواه مسلم).
 
3 – أو لحن لحناً يحيل المعنى سهواً؛ لأن عمده يبطل الصلاة، فوجب سجود السهو.
 
4 – أو ترك واجباً؛ لحديث ابن بحينة قال: (صلى لنا رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ركعتين من بعض الصلوات ثم قام فلم يجلس (يعني ترك التشهد الأول)، فقام الناس معه، فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر قبل التسليم فسجد سجدتين وهو جالس، ثم سلَّم) (متفق عليه).
 
إذا ثبت هذا بالخبر فيمن ترك التشهد الأوسط، فيقاس عليه سائر الواجبات، كترك التسبيح في الركوع والسجود، وقوله بين السجدتين: ربِّ اغفر لي، وتكبيرات الانتقال.
 
5 – ويجب سجود السهو إذا شك في عدد الركعات فلم يدر كم صلى؟
وذلك أثناء الصلاة؛ لأنه أدى جزءاً من صلاته متردداً في كونه منها أو زائداً عليها، فضعفت النية، واحتاجت للجبر بالسجود؛
 لعموم حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: (إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبسَ عليه، حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس) (رواه البخاري ومسلم).
 
 وهو في هذه الحالة بين أمرين: إمَّا أن يكون الشك بدون ترجيح لأحد الاحتمالين، ففي هذه الحالة يأخذ بالأقل ويبني عليه، ويسجد للسهو؛ لقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً، فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يُسَلِّم) (أخرجه مسلم).
 
أما إذا غلب على ظنه وترجح أحد الاحتمالين، فإنه يعمل به، ويبني عليه، ويسجد سجدتين للسهو؛ لقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فيمن شك وتردد: (فليتحر الصواب، ثم ليتم عليه -أي على التحري- ثم ليسلِّم، ثم ليسجد سجدتين بعد أن يسلِّم) أخرجه مسلم.
 
المسألة الثالثة: متى يُسَنُّ؟
 
يسن سجود السهو إذا أتى بقول مشروع في غير محله سهواً؛ كالقراءة في الركوع والسجود، والتشهد في القيام، مع الإتيان بالقول المشروع في ذلك الموضع، كأن يقرأ في الركوع مع قوله: سبحان ربي العظيم؛ لحديث النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) (رواه مسلم)
 
المسألة الرابعة: موضعه وصفته:
 
1 – موضعه:
لا ريب أن الأحاديث وردت في موضع سجود السهو على قسمين:
قسم دلَّ على مشروعيته قبل السلام، والقسم الآخر دل على مشروعيته بعد السلام؛ ولهذا قال بعض المحققين: إن المصلي مخيَّرٌ إن شاء سجد قبل السلام أو بعده؛ لأن الأحاديث وردت بكلا الأمرين، فلو سجد للكل قبل السلام أو بعده جاز.
قال الزهري: كان آخر الأمرين السجود قبل السلام.
 
2 – صفة سجود السهو:
سجدتان كسجود الصلاة، يكبر في كل سجدة للسجود وللرفع منه، ثم يُسَلِّم. وذهب بعضهم إلى أنه يتشهد إذا سجد للسهو بعد السلام؛ لورود ذلك عن النبي – صَلَّى””اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – في ثلاثة أحاديث حسنة بمجموعها، كما قال الحافظ ابن حجر (انظر فتح الباري).
 
المسألة الخامسة: سجود التلاوة:
 
1 – مشروعيته وحكمه: وهو مشروع عند تلاوة الآيات التي وردت فيها السجدات واستماعها.
قال ابن عمررضي الله عنهما: (كان النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يقرأ علينا السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد معه، حتى ما يجد أحدنا موضعاً لجبهته) (متفق عليه)
 
وهو سنة على الصحيح، وليس بواجب، فقد قرأ زيد ابن ثابت على النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – “والنجم”، فلم يسجد فيها (أخرجه البخاري).
 فدل على عدم الوجوب.
 
ويشرع سجود التلاوة في حق القارئ والمستمع، إذا قرأ آية سجدة في الصلاة أو خارجها؛ لفعله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ذلك عندما كان يقرأ السجدة، ولسجود الصحابة معه كما مرّ في حديث ابن عمر: (فيسجد ونسجد معه).
 
والدليل على مشروعيته في الصلاة:
 
 ما رواه البخاري ومسلم عن أبي رافع قال: صليت مع أبي هريرة العتمة، فقرأ (إذا السماء انشقت) فسجد، فقلت: ما هذه؟ قال: سجدت بها خلف أبي القاسم – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه (أخرجه البخاري ومسلم).
 
فإذا لم يسجد القارئ لا يسجد المستمع؛ لأن المستمع تبع فيها للقارئ، ولحديث زيد بن ثابت المتقدم، فإن زيداً لم يسجد، فلم يسجد النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
 
2 – فضله:
 
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أنه قال: (إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي، يقول: ياويله، أُمر ابن آدم بالسجود فسجد، فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت، فلي النار) (رواه مسلم).
 
“3 – صفته وكيفيته:
 
يسجد سجدة واحدة، ويكبِّر إذا سجد، ويقول في سجوده: (سبحان ربي الأعلى) كما يقول في سجود الصلاة، ويقول أيضاً: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)، وإن قال: (سجد وجهي للذي خلقه، وشقَّ سمعه وبصره بحوله وقوته) “أخرجه الترمذي وقال حسن” فلا بأس.
 
4 – مواضع سجود التلاوة في القرآن:
 
مواضع سجود القرآن الكريم خمسة عشر موضعاً، وهي على الترتيب:
 
1 – آخر سورة الأعراف (آية رقم 206).
2 – سورة الرعد (آية رقم 15).
3 – سورة النحل (آية 49 – 50).
4 – سورة الإسراء (آية 107 – 109).
5 – سورة مريم (آية 58).
6 – أول سورة الحج (آية 18).”
7 – آخر سورة الحج (آية 77).
8 – سورة الفرقان (آية 73).
9 – سورة النمل (آية 25 – 26).
10 – سورة السجدة (آية 15).
11 – سورة فصلت (آية 37 – 38).
12 – آخر سورة النجم (آية 62).
13 – سورة الانشقاق (آية 20 – 21).
14 – آخر سورة العلق (آية 19).
والخامسة عشرة: هي سجدة سورة (ص)، وهي سجدة شكر، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ليست “ص” من عزائم السجود، وقد رأيت النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يسجد فيها) (أخرجه البخاري).
 
المسألة السادسة: سجود الشكر:
 
يستحب لمن وردت عليه نعمة، أو دُفعت عنه نقمة، أو بُشَرَ بما يَسُرُّه، أن يَخِرَّ ساجداً لله؛ اقتداء بالنبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ولا يشترط فيها استقبال القبلة، ولكن إن استقبلها فهو أفضل.
وقد كان رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يفعله، فعن أبي بكرة: (أن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كان إذا أتاه أمر يسره -أو يُسَرُّ به- خر ساجداً شكراً لله تبارك وتعالى) (أخرجه أبو داوود والترمذي وقال الترمذي لانعرفه إلا من هذا الوجه)، وكذا فعله الصحابة رضوان الله عليهم.
 
وحكم هذا السجود حكم سجود التلاوة، وكذا صفته وكيفيته.
 
وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

المصدر : الفقه الميسر من الكتاب والسنة 
جمع وترتيب : أ.منيرة صالح

You May Also Like