الخوف من الله

 الخوف من الله

ذكر الله – تعالى – في كتابه آيات كثيرة تدل على عِظَم شأن الخوف، وأنه منزلة لازمة للمؤمن في حياته الدنيا؛ لكي يصل إلى رضا الله – تعالى – وجنته.

وكلما زاد خوف العبد من ربِّه، زاد عمله، وقل عُجْبه، وقلت معصيته، وكلما قلَّ خوف العبد من ربِّه، نقص عمله، وزاد عجبه، وكثرت معصيته.

فالخوف صفة بارزة من صفات عباد الله الصالحين، لا غنى لهم عنها في مسيرهم إلى الله – تعالى – فتراهم يؤدون حقوق الله، وهم خائفون وجلون من عدم قبولها، وقد ورد عن عائشة – رضي الله عنها – أنها سألت رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – عن هذه الآية: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ [المؤمنون: 60]،

قالت عائشة: هم الذين يشربون الخمر ويسرقون، قال: ((لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون ألا يُقبَل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات))؛ رواه الترمذي.

فهم أحرص الناس على طاعة ربهم، والمسارعة إلى رضاه، والبعد عن معصيته، والفرار من سخطه وغضبه، إلا أنهم يخافون من عدم قبول أعمالهم.

قال الحافظ بن حجر – رحمه الله -: “إن الخوف من المقامات العلية وهو من لوازم الإيمان؛ قال – تعالى -: ﴿ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران : 175]، وقال – تعالى -: ﴿ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ﴾ [المائدة : 44]، وقال – تعالى -: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر : 28]، وقال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية))، وكلما كان العبد أقرب إلى ربِّه، كان أشد له خشية ممن دونه، وقد وصف الله – تعالى – الملائكة بقوله: ﴿ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ﴾ [النحل: 50]، والأنبياء بقوله: ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ﴾ [الأحزاب: 39]، وإنما كان خوف المقربين أشد؛ لأنهم يطالبون بما لا يطالب به غيرهم، فيراعون تلك المنزلة”؛ أ.هـ، “فتح الباري”، (11/ 313).
فواصل لتزيين المواضيع almstba.com_1357721200_396.gif
ولقد كان خوف إمام المرسلين، وقدوة العالمين نبيِّنا محمد – صلَّى الله عليه وسلَّم – عبرة للمسلمين جميعًا؛ كي يتعلموا منه، ويأخذوا حذرهم من الغفلة والإعراض عن الله، وهو مَن هو بأبي هو وأمي – صلَّى الله عليه وسلَّم – الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فعن أبي ذر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون؛ أطت السماء وحُقَّ لها أن تئط، والذي نفسي بيده، ما فيها موضع أربعة أصابع، إلا وملك واضع جبهته؛ ساجد لله، والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيرًا، وما تلذذتم بالنساء على الفرشات، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله))، قال أبو ذر: “يا ليتني كنت شجرة تعضد”؛ رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، رقم (2449).

فواصل لتزيين المواضيع almstba.com_1357721200_396.gif
ولقد بلغ سلفنا الصالح مبلغًا عظيمًا في هذا الباب من شدة خوفهم من الله – تعالى -:
• رُوي عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه قال: “لو نادى منادٍ من السماء: أيها الناس، إنكم داخلون الجنة كلكم إلا رجلاً واحدًا، لخفت أن أكون أنا هو”؛ “التخويف من النار”؛ لابن رجب، ص (17)، فانظروا لهذا الخليفة الراشد، وقد شهد له النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – بالجنة يقول أنه يخاف ألا يكون من أهل الجنة، فماذا نقول نحن وقد قصرت بنا أعمالنا، وغلبت علينا الذنوب والمعاصي، ونحن نأمل دخول الجنة مع التقصير في العمل ومحبة طول الأمل.
فواصل لتزيين المواضيع almstba.com_1357721200_396.gif
ورُوي عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أنه قال: “كان رأس عمر على فخذي في مرضه الذي مات فيه، فقال لي: ضع رأسي، قال: فوضعته على الأرض، فقال: “ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي”.
فواصل لتزيين المواضيع almstba.com_1357721200_396.gif
ورُوي أن أبا هريرة – رضي الله عنه – بكى في مرضه، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: “أما إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بُعد سفري، وقِلَّة زادي، وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار، لا أدري إلى أيتهما يُؤخذ بي”.
فواصل لتزيين المواضيع almstba.com_1357721200_396.gif
ونحن والله في أشد الحاجة لمثل هذا الكلام أن نستشعره في قلوبنا، فإذا كان هذا الصحابي الجليل وصاحب رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – والحافظ لكثير من أحاديثه، يقول هذا الكلام، فما نقول نحن وقد قلَّت طاعتنا، وكثرت ذنوبنا، فإلى الله المشتكى من أحوالنا.

ورُوي عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أنه قال: “إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه جالس في أصل جبل، يخشى أن ينقلب عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرَّ على أنفه، فقال به هكذا”، ولو نظر كل منَّا لنفسه وحاسبها، لوجد أنه يقع في كثير من المعاصي وهو لا يشعر، وهذا من الغفلة العظيمة عن محاسبة النفس.
فواصل لتزيين المواضيع almstba.com_1357721200_396.gif
ورُوي أن علي بن الحسين كان إذا توضأ اصفرَّ وتغيَّر، فيقال: مالك؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟ فكيف به لو نظر لحال بعضنا الآن وهم داخلون إلى الصلاة في ضحك وسواليف، وانشغال بالدنيا! بل يدخل

فواصل لتزيين المواضيع almstba.com_1357721200_396.gif
الواحد منَّا إلى الصلاة ويخرج، ولم يخشع قلبه أو تدمع عينه، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

المصدر/
من خطبة للدكتور عبد الله الطيار
عنوانهاأثر الخوف من الله في حياتنا.

You May Also Like