القران حياة 3

القران حياة 3

ختمة تدبرية من تفسير الشيخ العلامة ابن سعدي رحمه الله تعالى
الجزء الأول:
لماذا قال الله تعالى :( وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ) ولم يقل يؤدون أو يفعلون الصلاة؟

الجواب:
قال العلامة ابن سعدي رحمه الله تعالى:
قال: ( وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ ) لم يقل: يفعلون الصلاة, أو يأتون بالصلاة, لأنه لا يكفي فيها مجرد الإتيان بصورتها الظاهرة. فإقامة الصلاة, إقامتها ظاهرا, بإتمام أركانها, وواجباتها, وشروطها. وإقامتها باطنا بإقامة روحها, وهو حضور القلب فيها, وتدبر ما يقوله ويفعله منها، فهذه الصلاة هي التي قال الله فيها: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وهي التي يترتب عليها الثواب. فلا ثواب للإنسان من صلاته, إلا ما عقل منها، ويدخل في الصلاة فرائضها ونوافلها.

كيف كان قول الله تعالى :(وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) دافعا ومحرضا للنفس على الإنفاق؟

الجواب:
قال العلامة ابن سعدي رحمه الله تعالى:
قال: (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) يدخل فيه النفقات الواجبة كالزكاة, والنفقة على الزوجات والأقارب, والمماليك ونحو ذلك. والنفقات المستحبة بجميع طرق الخير.

ولم يذكر المنفق عليهم, لكثرة أسبابه وتنوع أهله, ولأن النفقة من حيث هي, قربة إلى الله، وأتى بـ « من » الدالة على التبعيض, لينبههم أنه لم يرد منهم إلا جزءا يسيرا من أموالهم, غير ضار لهم ولا مثقل, بل ينتفعون هم بإنفاقه, وينتفع به إخوانهم.

وفي قوله: ( رَزَقْنَاهُمْ ) إشارة إلى أن هذه الأموال التي بين أيديكم, ليست حاصلة بقوتكم وملككم, وإنما هي رزق الله الذي خولكم, وأنعم به عليكم، فكما أنعم عليكم وفضلكم على كثير من عباده, فاشكروه بإخراج بعض ما أنعم به عليكم, وواسوا إخوانكم المعدمين.

س٨/ قول تعالى :( وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)، كثيرا ما يجمع الله في كتابه بين الصلاة والزكاة ، فما السرّ في ذلك؟

الجواب:
قال العلامة ابن سعدي رحمه الله تعالى:

وكثيرا ما يجمع تعالى بين الصلاة والزكاة في القرآن, لأن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود.

والزكاة والنفقة متضمنة للإحسان على عبيده.

فعنوان سعادة العبد إخلاصه للمعبود, وسعيه في نفع الخلق.
كما أن عنوان شقاوة العبد عدم هذين الأمرين منه, فلا إخلاص ولا إحسان.

س٩/ كيف فسر الشيخ ابن سعدي قول الله تعالى: ( وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ )؟

الجواب:
قال العلامة ابن سعدي رحمه الله تعالى:
( وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ ) وهو القرآن والسنة.

قال تعالى: وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ

فالمتقون يؤمنون بجميع ما جاء به الرسول, ولا يفرقون بين بعض ما أنزل إليه, فيؤمنون ببعضه, ولا يؤمنون ببعضه, إما بجحده أو تأويله, على غير مراد الله ورسوله..

كما يفعل ذلك من يفعله من المبتدعة, الذين يؤولون النصوص الدالة على خلاف قولهم, بما حاصله عدم التصديق بمعناها, وإن صدقوا بلفظها, فلم يؤمنوا بها إيمانا حقيقيا.

تعقيبا على كلام الشيخ رحمه الله:
فقد ذمّ الله تعالى من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعضه وقال في سورة الحجر (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)

فينبغي للمسلم أن يأخذ الدين كله ،ولا يكون ممن اتبع هواه فيعمل ببعض الدين دون بعضه..

فمن أسلم وجهه لله فليعمل بقول الله:(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ).

س١٠/ لماذا خص الله الإيمان بالآخرة بعد قوله :(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ)؟

الجواب:
قال العلامة ابن سعدي رحمه الله :

(وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ) و « الآخرة » اسم لما يكون بعد الموت، وخصه بالذكر بعد العموم, لأن الإيمان باليوم الآخر, أحد أركان الإيمان؛ ولأنه أعظم باعث على الرغبة والرهبة والعمل.

و « اليقين » هو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك, الموجب للعمل.

تعقيبا على كلام الشيخ رحمه الله:
فهذا الإيمان بالآخرة واليقين الموجب للعمل هو الذي يعين العبد على الصبر والخشوع ، ولهذا قال الله (وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ{45} الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ) فمن ظن وتيقن أنه سيلقى الله لا محالة فإنه يعدّ لذلك اللقاء عدته..
ولذلك أيضا لم يثبت من جند طالوت إلا قليل من قليل وهم الذين قال الله فيهم :( قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ) فكان النصر بعدها بسبب يقينهم وقوة إيمانهم..

فهل أنت موقن بلقاء الله؟
إذا كنت كذلك ، فماذا قدمت؟!
(فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا).

You May Also Like