الناقض الثالث
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وعلى من تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:ذكرنا أنَّ العلماء رحمهم الله في باب حكم المرتد قالوا: أن المسلم قد يرتد عن دينه بأنواع كثيرة من النواقض التي تحل دمه وماله، ويكون بها خارجا من الإسلام، ومن أخطرها وأكثرها وقوعا عشرة نواقض وكان الأول من هذه النواقض الشرك في عبادة الله ،والثاني من جعل بينه وبين الله وسائط،يدعوهم ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم، وقد ذكرنا فيما سبق ما يتعلق بهذه النواقض ،
أما في هذا المقال بإذن الله سيكون الحديث عن الناقض الثالث
وهو:
(من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم ،أوصحح مذهبهم )
هذا الناقض معناه : أنه من لا يعتقد كفر المشركين أو شك في كفرهم فقد كفر .. مثل ان يقول عن نصارى او يهود هذا الزمان “جميعهم أديان سماوية ولم يجزم بكفرهم” فهذا كفر ،لأن من حكم الله بكفره يجب القطع بكفره وهذا من لوازم التوحيد كما في قوله تعالى : {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم }[البَينة: 6]،
فالتوحيد لا بد فيه من أمرين :
الأول : الكفر بالطاغوت.
الثاني : الإيمان بالله.
فقولنا (لا إله) التي هى نفي لأحد استحقاق العبادة معناه كفر بالطاغوت ،والكفر بالطاغوت هو إنكار عبادة غير الله ونفيها ،والبراءة منها ومن أهلها ومعاداتهم ، وقولنا (إلا الله) إيمان بالله واستثناء لعبوديته وحده.
قال تعالى مبيناً هذين الأمرين: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا}[البَقـَـرَة: 256]
فمن لم يكفِّر المشركين أو أهل الكتاب أو توقف في كفرهم مع وضوح حالهم فهو كافر بالله وبكتابه وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم مُكذّب لعُموم رسالته للناس أجمعين، مرتكب ناقضاً من نواقض الإسلام، بإجماع المسلمين، فلا بد للمسلم من الجزم واعتقاد كفرهم.
قال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}[المـُمتَحنـَـة: 4]
ولابد أن يُعلم أن الكفار ينقسمون إلى قسمين :
القسم الأول :أن يكون كافراً أصلياً كاليهودي والنصراني والبوذي وغيرهم، فهذا كفره ظاهر جلي، ومن لم يكفِّره أو شك في كفره أو صحح مذهبه فقد كفر وخرج من ملَّة الإسلام بذلك، وهو داخل فيما ذكرناه فيما سبق لقوله تعالى “لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ… الآية” المائدة ٧٢
وقوله ” لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ “
المائدة ٧٣
الثانية : أن يكون مسلماً فارتكب ناقضاً يخرجه من الإسلام، مع زعمه ببقاءه على إسلامه، فإن كان ما ارتكبه من النواقض صريحاً ومحل إجماع عند أئمة الإسلام كمن استهزأ بالنبي صلى الله عليه وسلم أو سبَّه أو جحد شيئاً معلوماً من دين الإسلام بالضرورة فقد كفر ولابد من الجزم بتكفيره. لقوله تعالى “وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) التوبة
اما إن كان ما ارتكبه من النواقض محل خلاف عند أئمة الإسلام كترك الصلاة أو الزكاة، فهذا لا يكفَّر والله أعلم.
وهذا الناقض قد عمت به البلوى وطَمَّت ،فنادوا بِحُرية الأديان ووحدتها والتقريب بينها، وزعموا أنها كلها على حق، وأنه لا عداوة مُطلقاً بين أهل الإسلام وغيرهم من الملل الكفرية، وجعلوا تبيين هذا الناقض للناس وتوضيحه غُلوّاً وتشدداً، وإحياءً للعداوة والبغضاء بين الأمم والشعوب.
والحقيقة أن دعوة وحدة الأديان وحريتها والتقريب بينها تسعى لإماتةِ الدين في النفوس وتتكيء على نِحلة عصرية الاسم قديمة المذهب والمشرب، وهي العَلمانية، وهذه النِحلة تنكر الأديان، وتعتمد على المادية التي لا موجه لها ،فهؤلاء لم يعرفوا قدر الحياة التي دعا إليها الإسلام ولم يعملوا لمصيرهم وحياتهم الحقيقية.
هذا والله تعالى أعلى وأعلم وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
جمع وترتيب:إيثارأشرف المزّين
ــــــــــــــ
المراجع: متن نواقض الإسلام للشيخ محمد بن عبدالوهاب ،كتاب دروس في شرح نواقض الإسلام للشيخ صالح الفوزان ،كتاب الإعلام بتوضيح نواقض الإسلام للطريفي،وشرح نواقض الإسلام لعبد الله السعد