بادروا بالأعمال
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا, أَوْ غِنًى مُطْغِيًا, أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا, أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا, أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا, أَوْ الدَّجَّالَ؛ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ, أَوْ السَّاعَةَ؛ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ؟)) أخرجه الترمذي في سننه.
لقد جعل الله للعبد فرصة للتزود للآخرة ما دام فيه نفس يتردد..
أعمارنا فرصة لن تعود..
وهي رأس مالنا وأرباحنا في الدار الآخرة..
والله تعالى يقول:
(وهو الذي جعل اليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا) سورة الفرقان.
مثل أعمارنا بالنسبة لعمر الدنيا والآخرة كمثل زمن لجنة الاختبار بالنسبة لحياتنا..
كم نمكث في لجنة اختبار الدنيا؟!
ساعتين أو ثلاث..
هل تتخيل أن الدنيا أقل من ذلك؟!!
ألم يقل الله: (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار) سورة الأحقاف.
فما ظنكم بشخص جلس في لجنة الاختبار يلعب ويلهو حتى سحبت ورقته فجأة..
ما شعوره؟!
ما شعوره وقد ملأ ورقته بإجابات خاطئة واستهزاء وعبث؟!
هذا شعور من يتخطفه الموت وهو غير مستعد للقاء الله..
قال الله تعالى عن أهل النار:
(وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ) فاطر -٣٧
إنهم يصرخون ويتصايحون ويستغيثون ويقولون: ( رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ )!
ولكنهم سألوا الرجعة في غير وقتها، فيقال لهم: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَايَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ ) أي: أي عشتم دهرا وعمرا يتمكن فيه من أراد التذكر من العمل!
متعناكم في الدنيا..
وأدررنا عليكم الأرزاق..
وقيضنا لكم أسباب الراحة..
ومددنا لكم في العمر..
وتابعنا عليكم الآيات..
وأوصلنا إليكم النذر..
وابتليناكم بالسراء والضراء، لتعودوا إلينا وترجعوا إلينا..
فلم ينجع فيكم إنذار!
ولم تفد فيكم موعظة!
وأخرنا عنكم العقوبة، حتى إذا انقضت آجالكم، وتمت أعماركم، ورحلتم عن النيا بشر حال..
ووصلتم إلى هذه الدار دار الجزاء على الأعمال، سألتم الرجعة؟
هيهات هيهات!!
فات وقت الإمكان، وغضب عليكم الرحيم الرحمن!!
قال الشيخ العلامة الألباني – رحمه الله تعالى – عن نفسه بعد أن تجاوز الرابعة والثمانين ؟! في صحيح موارد الظمآن ( ٢٠٨٧ ) – حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : ( أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبيعين ، وأقلهم من يجوز ذلك ) .
قال إبن عرفة : وأنا من ذلك الأقل .
فعلق الشيخ الألباني- رحمه الله تعالى – قائلاً :
قلت : وأنا أيضاً من ذلك الأقل ، فقد جاوزت الرابعة والثمانين ، سائلاً المولى سبحانه وتعالى أن أكون ممن طال عمره وحسن عمله ومع ذلك فإني أكاد أن أتمنى الموت ، لما أصاب المسلمين من الإنحراف عن الدين والذل الذي نزل بهم حتى من الأذلين ، ولكن حاشا أن أتمنى ، وحديث أنس ماثل أمامي منذ نعومة أظفاري ، فليس لي إلا أن أقول كما أمرني نبيي ﷺ ( اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي ) وداعياً بما علمنيه عليه الصلاة والسلام : ( اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا ، وإجعلها الوارث منا ) ، وقد تفضل سبحانه فأستجاب ومتعني بكل ذلك ، فها أنا ذا لا أزال أبحث وأحقق وأكتب بنشاط قل مثيله ، وأصلي النوافل قائما ، وأسوق السيارة بنفسي المسافات الشاسعة ، وبسرعة ينصحني بعض الأحبة بتخفيفها ، ولي في ذلك تفصيل يعرفه بعضهم !!.. أقول ذلك من باب ( وأما بنعمة ربك فحدث ) ، راجياً من المولى سبحانه وتعالى أن يزيدني من فضله ، فيجعل ذلك كله الوارث مني ، وأن يتوفاني مسلماً على السنة التي نذرت لها حياتي دعوة وكتابة ، ويلحقني بالشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا ، إنه سميع مجيب .
رحم الله الإمام العلامة المحدث الفقيه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ، وأعلى درجته وألحقه بالصالحين.
المراجع/
– تفسير العلامة ابن سعدي رحمه الله
– كتاب صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان بقلم العلامة الألباني .
– موسوعة النابلسي.
جمع وترتيب :ا.زينب الكيلانى