اولاً: كتاب الطهارة
ويشتمل على عشرة أبواب
الباب الأول: في أحكام الطهارة والمياه، وفيه عدة مسائل:
المسألة الأولى: في التعريف بالطهارة، وبيان أهميتها، وأقسامها:
1 – أهمية الطهارة وأقسامها: الطهارة هي مفتاح الصلاة، وآكد شروطها،
والطهارة على قسمين:
القسم الأول: طهارة معنوية وهي طهارة القلب من الشرك والمعاصي ولا يمكن أن تتحقق طهارة البدن مع وجود نجس الشرك كما قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) [التوبة: 28].
القسم الثاني: الطهارة الحسية،
2 – تعريفها:
وهي في اللغة: النظافة، والنزاهة من الأقذار.
وفي الاصطلاح: رفع الحَدَث، وزوال الخَبَث .
والمراد بارتفاع الحدث: إزالة الوصف المانع من الصلاة باستعمال الماء
وإن فقد الماء أو عجز عنه استعمل ما ينوب عنه، وهو التراب، على الصفة المأمور بها شرعاً.
والمراد بزوال الخَبَث: أي: زوال النجاسة من البدن والثوب والمكان.
فالطهارة الحسية على نوعين: طهارة حدث وتختص بالبدن، وطهارة خبث، وتكون في البدن، والثوب، والمكان.
والحدث على نوعين: حدث أصغر، وهو ما يجب به الوضوء، وحدث أكبر، وهو ما يجب به الغسل.
والخَبَثُ على ثلاثة أنواع: خبث يجب غسله، وخبث يجب نضحه، وخبث يجب مسحه.
المسألة الثانية: الماء الذي تحصل به الطهارة:
الطهارة تحتاج إلى شيء يتطهر به، يزال به النجس ويرفع به الحدث وهو الماء، والماء الذي تحصل به الطهارة هو الماء الطَّهُور، وهو: الطاهر في ذاته المطهر لغيره، وهو الباقي على أصل خلقته، نازلاً من السماء: كالمطر أو جارياً في الأرض: كماء الأنهار والعيون والآبار والبحار.
ولقوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) [الفرقان: 48].
ولقول النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد) (1).
ولا تحصل الطهارة بماء غير الماء كالخل والبنزين والعصير والليمون، وما شابه
ذلك؛ لقوله تعالى: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) [المائدة: 6] فلو كانت الطهارة تحصل بماء غير الماء لنقل عادم الماء إليه، ولم ينقل إلى التراب.
المسألة الثالثة: الماء إذا خالطته نجاسة:
الماء إذا خالطته نجاسة فغيَّرت أحد أوصافه الثلاثة -ريحه، أو طعمه، أو لونه- فهو نجس بالإجماع لا يجوزكان كثيراً أو قليلاً
– أما إن خالطته النجاسة ولم تغير أحد أوصافه: فإن كان كثيراً لم ينجس وتحصل الطهارة به،
وأما إن كان قليلاً فينجس، ولا تحصل الطهارة به. وحدُّ الماء الكثير ما بلغ قُلتين فأكثر، والقليل ما دون ذلك.
والدليل على ذلك حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الماء طهور لا ينجسه شيء) (2)، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)
والقلتين ما يعادل 200 لتر تقريبا
المسألة الرابعة: الماء إذا خالطه طاهر:
الماء إذا خالطته مادة طاهرة، كأوراق الأشجار أو الصابون أو الأُشْنَان
أو السدر أو غير ذلك من المواد الطاهرة، ولم يغلب ذلك المخالط عليه، فالصحيح أنه طهور يجوز التطهر به من الحدث والنجاسة، لأن الله سبحانه وتعالى قال: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) [النساء: 43].
ولقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – للنسوة اللاتي قمن بتجهيز ابنته: (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن، بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافوراً، أو شيئاً من كافور)
المسألة الخامسة: حكم الماء المستعمل في الطهارة:
الماء المستعمل في الطهارة -كالماء المنفصل عن أعضاء المتوضئ والمغتسل- طاهر مطهر لغيره على الصحيح، يرفع الحدث ويزيل النجس، ما دام أنه لم يتغير منه أحد الأوصاف الثلاثة: الرائحة والطعم واللون.
ودليل طهارته: (أن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كان إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه) ولأنه – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – صبَّ على جابر من وضوئه إذ كان مريضاً ولو كان نجساً لم يجز فعل ذلك، ولأن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وأصحابه ونساءه كانوا يتوضؤون في الأقداح والأَتْوار
ومثل هذا لا يَسْلَم من رشاش يقع في الماء من المُستَعْمِل، ولقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لأبي هريرة وقد كان جنباً: (إن المؤمن لا ينجس)
المسألة السادسة: أَسْاَر الآدميين وبهيمة الأنعام:
السُّؤر: هو ما بقي في الإناء بعد شرب الشارب منه، فالآدمي طاهر، وسؤره طاهر، سواء كان مسلماً أو كافراً، وكذلك الجنب والحائض، وقد ثبت أن رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: (المؤمن لا ينجس)
وعن عائشة: أنها كانت تشرب من الإناء وهي حائض، فيأخذه رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيضع فاه على موضع فيها..
وقد أجمع العلماء على طهارة سؤر ما يؤكل لحمه من بهيمة الأنعام وغيرها.
أما ما لا يؤكل لحمه كالسباع والحمر وغيرها فالصحيح: أن سؤرها طاهر، ولا يؤثر في الماء، وبخاصة إذا كان الماء كثيراً.
أما إذا كان الماء قليلاً وتغيَّر بسبب شربها منه، فإنه ينجس.
ودليل ذلك: الحديث السابق، وفيه: أنه – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – سُئل عن الماء، وما ينوبه من الدواب والسباع، فقال: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)، وقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – في الهرة وقد شربت من الإناء: (إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات) ، ولأنه يشق التحرز منها في الغالب.
أما سؤر الكلب فإنه نجس، وكذلك الخنزير.
أما الكلب: فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: (طهور إناء أحدكم إذا وَلَغَ (2) فيه الكلب، أن يغسله سبع مرات، أولاهن بالتراب) (3).
وأما الخنزير: فلنجاسته، وخبثه، وقذارته، قال الله تعالى: (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) [الأنعام: 145].
تم بحمد الله وتوفيقه